قريرة العين شيلان

0

زاخو شيار

عضو مجلس PAJK

كانت ابنة كوباني الأصلية مفعمة بالأصالة والشموخ والتمرد منذ نعومة أظافرها.. عندما رفع أبوها يدها عليها لتركز أكثر على دروسها وهي لا تزال في المرحلة الابتدائية تمردت عليه . ولدى تنبيه المعلمة لها بألا تغيب عن المدرسة في عيد نوروز تمردت … لقد كانت قد بدأت بالتمرد على النظام الذكوري المهيمن خطوة خطوة وهي لا تزال في سنين ربيعها الأولى … وتزامن ذلك مع تعرفها على الرفاق والنضال الثوري ..

كانت عائلة الرفيقة شيلان معروفة بروحها الوطنية ، وهذا ما جعل الأبواب تفتح على مصراعيها في السنين الأولى لدخول الحركة الآبوجية الى غربي كردستان واحتضانها لها . وهذا ما فتح الطريق للرفيقة شيلان بالتعرف على الآبوجيين الأوائل ، من أمثال رفعت وسيدو وغيرهما ، والتأثر بهم من الصميم . وتمردهم البدائي على النظام والعائلة البارز لديها منذ الصغر تحول الى وعي عميق بعد تعرفها على الحرك الأبوجية .. وهذا ما حطها بسرعة أمام مفترق طرق حاسم . إما احتضان نضال الحرية ، أو الاستسلام للنظام الرجعي الكلاسيكي … وجزمت أمرها لصالح نضال الحرية ، وانخرطت في صفوف PKK وهي لا تدرك بعد ما يخبئه لها المستقبل من صدف ومغامرات .

باشرت بالنضال بين صفوف الشعب في غربي كردستان وسوريا ، في الوقت الذي كان يفتقر الشعب فيه للوعي الوطني المعاصر ، ويجهل تاريخه القديم العريق . بذلك الرفيقة شيلان كل جهودها لتعريف الشعب وتنويره بتاريخه والروح الوطنية العصرية ، ولم تنس قط تدريب نفسها والتعمق هي أيضاً في هذه المواضيع لتستطيع الرد على الأسئلة الشعب وتلبي احتياجاتهم وتحقق إشباعهم الكافي . وهكذا كان لها النصيب الأوفر في هذا السياق بين صفوف شعبها الكردي .

ربما لم تكن تملك آنذاك  الوعي الجنسي الذي تمتلكه الحركة في الوقت الراهن ، ولم تكن قادرة على التعبير عن افكارها بالسيولة اللازمة حينذاك . لكن ما كان تدركه من اعماق صميمها امر واحد محسوم ..  < يجب ألا تكون المرآة في هذا الوضع .. إنه لا يليق بها أبداً > .. كانت ترفض كل انواع العنف المطبق على المرأة ، وكل أشكال المواقف الرجعية التقليدية الممارسة بحقها ز وكانت تؤمن بضرورة تجاوز هذا الوضع المزري للمرأة ، مهما كان الثمن . كانت تقول دوماَ < العنف ضد المرأة يبدأ بصفعة كف رجل > .. من هنا كان تمردها على ابيها المسكين الذي لم تكن نيته سوى حثها على دروسها بشكل أفضل . ولكن ، ليكن .. إنه في النتيجة عنف ضد المرأة … هكذا نظرت للأمر .. وهكذا انخرطت في صفوف النضال ، وغدت تؤثر بمواقفها وسلوكياتها الراسخة جميع النساء اللواتي تعاملن معها وتعرفن عليها وتدربن على يدها . وتجعل من امتداداتها ضمن الحركة درعاً لها في أطماعها منذ لحظات تلك لكنها ، ومقابل كل ذلك ،  كانت متسلحة بمواقفها الأيديولوجية والفكرية والتنظيمية الصارمة التي لا تشوبها شائبة . وكانت تنتهل من البراديغما الجديدة ما يمدها بالقوة والزحم الذي لا يمكن أن يقف في وجهه إعصار . وهذا ما جعلها لا تتردد لحظة ولا تتوانى ابداً عن حماية خط الحركة ومنهاجها ومسارها بأساليب متنوعة غنية ، وبمواقف راديكالية جازمة ، حتى في الأوقات التي كانت تزعم فيها التيارات التصفوية أنه < لا حاجة بعد الآن للتنظيم والحزب ، فالمرحلة هي المرحلة الديمقراطية > . فراحت تحرف وتشوه المصطلحات على هواها ،

وكانت مقولة الرفيقة شيلان في هذه المرحلة ، مثلما كانت في كل المراحل ، هي < التنظيم ، ثم التنظيم ، ثم التنظيم > و< والتحزب ، ثم التحزب ، ثم التحزب > . فالتجارب المتراكمة خلال سنين النضال الشاقة ، والتعمق في أيديولوجية حرية المرأة وفي فلسفة القيادة ونهجها ، كان قد اوصلها الى هذه النتيجة الشفافة والهامة للغاية منذ أمد بعيد … كانت تدرك أنه من دون التنظيم لا يمكننا تنفس هواء الحرية ولو لثانية واحدة . وبهذه الشفافية الصارمة تحاملت على التيارات التصفوية وتحدتها بصمود شامخ . فالموضوع هنا يمس الحركة الكردستانية عموماً ، وحركة المرأة على وجه الخصوص . اي أنه معني بقدر ومصير الشعب الكردستاني وقضية العادلة . بالتالي ، فهو لا يحتمل تناوله بشكل بسيط أو سطحي ضيق . وهذا تمامأما جعلها هدفاً اولياً للتيار ، التصفوي والقوى الخارجية والدول الأقليمية المتواطئة معها لدعم   هذا التيار التصفوي بكل ما أوتيت من قوة كانت الدولة السورية حينها تدعم هذا التيار بقوة ذلك انها كانت على يقين في ذاتها من ان الحركة الكردستانية الآبوجية على حافة الهاوية ، من الكوادر النوعية سوى حفنة قليلة من السهل ، ولكن من الضروري ، القضاء عليهم والخلاص منهم للتمكن من بسط نفوذها ثانية على الشعب الكردي في سوريا وغربي كردستان، وارجاعه ثانية الى الحضيض ….

ومع الأاسف ، فأن ولادة ( ب ي د ) كانت في خضم هذه الأجواء دكها من العكرة ، وتأسس تحت ظل التصفويين . وهذا ما جعله حاملاً لأمراض التصفوية ، كما ان التصفويين يقولون عن ( ب ي د ) حزب عائد لساحة سوريا . ولم تعد لنا علاقة بالنضال العام > و سنناضل فقط من أجل ساحتنا . فالخدمات التي قدمناها للحركة العامة ، وهذا النضال العام وأهدافه وايديولوجيته ومبادئه أضحى غربياً عنهم  … وكأنهم كانوا يخدمون في حركة غريبة عنهم حتى ذاك الوقت … كان كمال صور يقول < لقد خدمنا غيرنا حتى الآن ، وسنلفت الى ذاتنا من الآن فصاعداً > . وكأن شمال كردستان وجنوبها وشرقها ليسوا أجزاء من كردستان نفسها … وكأن غربي كردستان فقط ما يهمهم ويعنيهم …. إنها التجزئة الخطيرة للروح الوطنية . إنها المفاهيم القوموية البدائية الضيقة . إنه البعد عن حقيقة الذات وأصلها .. إنه الانقطاع عن التاريخ وبتر الأواصر مع الجذور …. هذا ما كان يمثله كمال صور وجماعته التصفوية .

حيث انتقل كل من الرفيقين شيلان وفؤاد إلى جنوب كردستان . لقد كان يرسمان لوضع مخطط شامل في التحدي لهذه التصفوية والنجاح في شل تأثيرها ، والعودة ثانية الى غربي كردستان وفي هذه الأثناء تماماً كانت الأستخبارات السورية والقوى الإقليمية المتواطئة في حنوبي كردستان قد تكاثفت ورصت صفوفها أكثر .. كانت تلك القوى في جنوب كردستان قد قالت لكمال صور < ما دمتم تزعمون أنكم تسعون لتكوين بديل ل (ب ك ك ) وبسط نفوذكم في سوريا بدلاً من ( ب ي د ) ، فعليكم إثبات ذلك لنا ، وإعطاءنا الضمان الراسخ لنواياكم عليكم القضاء على الكوادر القياديين في( ب ي د ) . حينها نعدكم بأننا سندعمكم بدعم اللازم ، والحماية الكافية ، والتمويل المطلوب ، وستأذن لكم بالنشاط بحرية وتنيظيم ذاتكم في جنوب كردستان >… بناء على ذلك تم التخطيط المشترك للمؤامرة الدنيئة التي استشهد فيها الرفاق شيلان وفؤاد وجميل وجوان وزكريا على يد الخونة السفلة عندما كانوا يهمون للدخول ثانية الى سوريا لتصعيد النضال التنظيمي في هذه الساحة . كان ذلك في التاسع والعشرين من شهر تشرين الثاني في عام 2004 . أي بعد يومين من الذكرى السنوية لتأسيس( ب ك ك ) في السابع والعشرين من الشهر نفسه من كل لقد غصت القلوب بشهادة الرفاق الخمسة … واقشعرت الأبدان للخيانة البشعة التي يندر مثيلها في تاريخ البشرية عموماً وتاريخ الحركات الثورية خصوصاً … ولكن شهادة الرفاق الخمسة لم تتسبب في التبعثر والتشتت والهلاك مثلما كان يعتقد المتربصون التصفويون الخونة والقوى الاخرى …. بل كان الواقع مناقضاً لذلك بأشد الأشكال .

لقد كانوا مؤمنين ، حتى وهم وجهاً لوجه أمام يد الخيانة القذرة بأنه < لن يذهب دمنا هباء ، ولن تبقى آمالنا حسرة في قلوبنا ن…. ذلك أننا تشاطرنا هذه الآمال والطموحات مع شعبنا ورفاقنا منذ اللحظة الأولى لا نخراطنا في صفوف الحركة الكردستانية الديمقراطية >..

وبعد شهادة الرفيقة شيلان ورفاقها الأربعة ، لم يكتف اتحاد ستار بلم شمله فحسب ، بل وطور نشاطاته ، وهيأ الأرضية الخصبة لولادة نظام المرأة الكونفدرالي الديمقراطي ، وتسيير نضاله على أوسع النطاقات ، محتضناً بذلك المرأة الكردية بآفاق شاملة تحت ظل < منظومة نساء غربي كردستان KJRK ليكون التنظيم الخاص بالمرأة تحت سقفه ، مستنهلاً عظمته من من فاعلية المرأة في جميع النشاطات ، وتبنيها لأيديولوجيتها الخاصة بها ، وطبعها النضال بطابعها الغني البراق . وهكذا حققت حركة المرأة في غربي كردستان وسوريا انطلاقتها العظيمة على هدى البرايغما الجديدة التي طرحتها القيادة ، وبسيرها على درب الشهيدة شيلان والشهيدات الاخريات … ولا تزال تتطلع الى تحقيق المزيد من التقدم  وإنجاز العديد من المكتسبات والطموحات ، وعلى رأسها لعب دورها الريادي في بناء المجتمع الديمقراطي الأيكولوجي والتحرري الجنسوي .

أما الدولة السورية ، وبعد شهادة الرفيقة شيلان ورفاقها الأربعة ، ورؤيتها لهذه الحقيقة التي قضت مضاجع حكامها الديكتاتورية ، ارتعدت خوفاً ، ولم يهدأ لها بال ، فانهالت على الشعب الكردي  تهاجمه بهمجية ، ضاربة عرض الحائظ بكل المعايير الإنسانية ، التي الم تمثل لها يوماً حين يكون الشعب الكردي محور الحديث لا يمكنها مواجهة هذه الحركة لوحدها ، راحت ترتمي في أحضان جارتها التركية ، وجعلت منها الحليف الاستراتيجي ، بعد أن كانت عدوها اللدود … وزادت من هجماتها على الشعب الكردي الأعزل … وكانت الطلقة الأولى قد أصابت < عيسى خليل ملا حسن > ليكون الشهيد الأول في حملة < كفى > < Edi Bes > ومن بعده كان <عثمان محجي سليمان> الشهيد الثالث في عموم كردستان ، والثاني في غربي كردستان في حملة < Edi Bes > ، ومن ثم المحمدون الثلاث الذين الذين استشهدوا في نوروز هذا العام 2008 . وسوف يتصاعد نضالنا أكثر مع إراقة الدماء هي الثمن الغالي الواجب دفعه لتأمين مستقبل مشرق لأطفالنا … وشعبنا لا يزال يحتضن كل المصاعب ، ويتحمل كل المأسي ، في سبيل هواء الحرية النقي …

على هذا الأساس ، وبحلول الذكرى السنوية الرابعة ، ننحني إجلالاً لهم ، ولكل من أراق دمه قطرة قطرة على درب الحرية من شهدائنا البررة ، ونجدد عهدنا لهم بالمضي قدماً على درب خطاهم … لقد زرعوا بدمائهم الزكية عشق الحرية والتطلع إليها في قلب كل إنسان … في قلب كل امرأة ورجل وطفل … واطفالنا الآن يترعرعون في ظل هذا العشق الحر .. وشبابنا وشاباتنا يناضلون الآن بلا هوادة في ظل هذا العشق الحر… في الذكرى السنوية الرابعة لاستشهادهم ، نعاهدهم مجددأعلى التشبث بالنضال والتنظيم وحرية المرأة أكثر مما مضى … ولا يمكن لأي إعصار ثنيها عن أهدافها وطموحاتها … إننا أصحاب حركة عظيمة وجديرة كهذه … حركتنا منتظمة بتراص … وتتوجه قدماً صوب الحرية … لم ولن ننساكم … فلا داعي للقلق > ..

نعم … نامي قريرة العين شيلان … فقلوبنا تنبض معك …

وآمالنا تزدهر وتنتعش بآمالك ..

 

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.